عبد الإمير الشمري (النِبلة الكريمة)

فاضل ابو رغيف

28/01/2024
تكبير الخط
تصغير الخط


 

حينما أخوضُ غمار شخصية أدبية او فكرية او روائية ، فأني قطعاً لن استغرق مُطنباً بهِ ، بيد أنني سأعرضُ اعمالهُ ونتاجاته بنحو تسلسلي كسيرةٍ ذاتيةٍ هرميةٍ نمطية، لكن حينما أكونُ متفحصاً عن كثبٍ لقائدٍ محنكٍ كعبد الإمير الشمري، فهنا تكمن  صعوبة الكتابة عنه وان كنتُ متفرساً بوعيٍ عن هذا الشاب الفراتيّ الذي مَخرَ عُباب الحياة بكلِ منغصاتها، فكان من بينِ أخوتهِ متمايزاً بنبوغهِ الحاد وفطنتهِ الوهاجة ما لفتَ عليهِ الأنظار من مُعلميهِ وأساتذتهِ ماجعلهُ محط اهتمام من والدهِ الحاج كامل ، فقد كان ومافتأ والده مُحرزاً لشرائعِ الله وحافظاً لكتابهِ ومتشدداً بأحكامهِ وكانت لتربيتهِ لولدهِ الفتى النابغ عبد الإمير ، الأثر البيّن في صقل شخصيتهِ الرصينة والكيسة ولو بسنٍ مبكرٍ بحياتهِ، فقد خطفَ الانتباه لهُ وهو بين ظهراني الكلية العسكرية التي انخرط بها وهو صَلبْ العود نحيل البُنية ممتشق القِوام فارع الطول وبشعرٍ كثْ يملئه والذي سرعان ما تم حلقه أبان دخوله ( كهف العسكرة)، فكان انتقاءهُ الاول بخيارٍ وافقه عليه والده، وكان خيارهُ الثاني ايضاً هو خروجه عن ربقة التعاليم العشائرية والتي تقضي باقترانهِ بقريبتهِ وانتهاجه سبيل حرية اختياره لشريكةِ دربهِ والتي ماهي عليها الان ، ثم مالِبثَ الضابط الحدث ان انكفأ متمرداً على واقع الحياة المنغص بمزيدٍ من الإصرارِ والثبات، كي يخوض معركة التحدي بمحطاتهِ المتنوعة عِبرَ كلية الأركان ، وهذه المحطة كانت تمثل مرتكزا مفصليا بحياتهِ المهنية ، حيث أنهُ تمخضع عنه خزينٌ معرفي أخاذ قد خطفَ الذهول من اساتذتهِ والذين بُهروا لما لمسوهُ من ضابطٍ برتبةٍ صغيرة وهو يقوم محاضراً بدروسٍ لم يألفها سابقاً، وهنا بدأ نجم الضابط المتقعر بضبطهِ يلمع بطروحاتهِ النافذة، ولو اختصرت الزمن ودخلتُ لما بَعدَ عام ٢٠٠٣، لتَبَددَ العَجبَ عندك وانتَ ترجع لما بينتهُ آنفًا عن شخصيتهِ المرنة والمغلقة بصلابةِ أعرافه التي نشأ عليها وأسرته التي فُطرِ منها وجبلته التي حُبيَّ بها جلياً، فقد كان ذو مراسٍ ناعمٍ بأشواكٍ مدببة، فقد شكل محوراً مفصليا بالمشهد الأمني بشقيهِ التعبوي والاستخباري، واتخطر لطيفة مرت بهِ سردها لي من رافقوه، وهو كان بدورة اقامها حلف الناتو في الأردن ( وكانت بمستوى القيادات فقط للناتو)، وتحدث بعض القادة الغربين بشكل غلوائي ( بزهوٍ وخُيلاء)، وهنا القائد الشمري ، أطال الصمتْ على مضضٍ وهو يُمسكْ عن الحديث ينتظر حين انتهوا القادة ، فقامَ فيهم مُصوباً مُسهباً ملقياً عليهم دروساً في فن القيادة وإدارة حروب الكر والفر والوديان والجبال، وعندها وحال فراغهِ من محاضرةِ فنون الحرب وغصونها ، وبعد أن عرفهم أن العراق لا يخلو من عظماء وقادة ، فلقنهم درساً بليغاً يحتاج لدراسة مفصلية ، وحينها استك الجميع وأصابهم الذهول ووقفوا وهم يصفقون بحرارة المتفاجىء المبهور ،فتولى قيادة عمليات بغداد ، وقد قبلها بتحدٍ في ظرفٍ انهزمت بعض القيادات العسكرية مولية الدبر كفرارٍ من الزحف، ولكن الشمري قبلها قبول الفراتي العنيد من قائد عتيد بروحٍ شمرية واصرارٍ فراتي ، وقبوله لهذهِ المسؤولية بزمنٍ كان معدّل المفخخات التي تضرب بغداد مابين ١٥ إلى ٢٠ مفخخة، فإذا بهِ يقبل ان يستلم معركة بأرضٍ محروقة فللهِ دره ابا مصطفى ،وبعدها تصدى الشمري لنيابةِ العمليات المشتركة، فكانت هي المرحلة الأكثر شائكية بحياتهِ المهنية ، فقد واجه تحديات أمنية متعددة ومواجهات سياسية مُنفرة في احيانٍ كثيرة تخضع لأمزجة مُنفرة ومن اطرافٍ شتى ، لكنهُ وبرباطةِ جأشهِ العالية وبهدوءهِ المعتاد وشخصيته المرنة ، كان بمثابةِ أسفنجةٍ يستوعب دون نفور ويَردَ بغيرِ صخبٍ، فالرجل حقاً سهلٌ ممتنع، بشوشٌ لكنهُ ممانع مبتسمٌ لكنه صلد، أقولها عند النوازل والملمات فقط، وشاءت الأقدار ان يتصدى لمفصلٍ هو الأكثر مغامرة، فقد رضيّ ان يتولى عرافة اخطر وزارة في البلاد وهي وزارة الداخلية ( رئاسة وزراء مصغرة)، وهذه الوزارة قد رانَ عليها إهمال الوزراء الذين تعاقبوا عليها، فكان تحدياً ان يتولى زعامة وزراة مكتظة بسيل الملاحظات، فشرع بتهذيب سلوكيات العمل الشرطوي ( من باب الطموح الادنى سعياً للكمال)، وباشر ومن موقعٍ ادنى لممارسة المسؤولية من موقعٍ ادنى بمراكز الشرطة ( للحد من الرشى ولملامسة خدمة المواطنين بشكلٍ مباشر)، وقام بإحداثِ تغييرات بنيوية بمفاصل الوزارة ، فكانت تغيراتهِ تأتي أُكلها بصورةٍ عاجلة:

اولاً: تغير مدير المخدرات ،فقد كانت هذه المديرية خاملة ( ففي عام ٢٠٢٢ لم تستولي إلا على ٩٩ كغم من المخدرات وفي عام ٢٠٢٣ ، استولى على خمسة أطنان مخدرات و١٥ طن أدوية هلوسة ، وفي عام ٢٠٢١ ، لم يلقى القبض إلا على اقل من الف متورط بالمخدرات وفي عام ٢٠٢٣، القي القبض على ١٧ الف بينهم ٧٠٠٠ الآلاف مروج وتاجر )، فضلا عن تفكيك عصابات دولية ، ولأول مرة بتاريخ الوزارة  انشأ ١٦ مركزا للتشافي من تعاطي المخدرات.
ثانيا: الجنسية والسفر ، فقد جاء الشمري ،ووجد خمسة ملايين بطاقة وطنية معلقة ( وعلى الفور انجزها وانجز معها ٣٣ مليون اخرى ، وكانت البطاقة لا تنجز إلا بسبعةِ اشهر والان تنجر ب٤٨ ساعة فقط)، وانجز الجواز الإلكتروني وصار إصدار الجواز لا يتخطى ال٣٠ دقيقة وبمواصفاتٍ عالية فضلا عن انجازهِ البوابات الالكترونية.
ثالثا: وبجهدٍ شخصي انجز إنشاء ١٠٠ مركز إطفاء تضمن ان تكون بين مراكز الإطفاء السابقة لتغطية اي حريق ينشب.
ثالثاً: قد تدنت الجرائم بالتزامن مع ادارتهِ للوزارة بشكلٍ ملحوظ، فقد انخفضت جرائم الخطف بنسبة ٢٤٪؜ عن السنين السابقة ، وانخفاض جرائم الاغتيال بنسبة ٥٠٪؜، وانخفاض جرائم السطو المسلح ٤٣٪؜، وتدني نسب التسليب ١١٪؜، وارتفاع نسب مكافحة المخدرات ١٩٪؜, وارتفاع نسب القبض على تجار المخدرات ٣٧٠٪؜, وارتفاع نسبة القبض على الحبوب المخدرة ٦٣٩٪؜, وازالة تجاوزات نقل الطاقة ارتفعت معالجتها  بنسبة ٦٢٪؜, وارتفاع نسبة تهريب الصهاريج ٣١٪؜, وضبط مواد مخدرة ٤٣٪؜, وتنفيذ عمليات الدهم والتفيش ٣٦٪؜, وضبط عجلات تحمل ممنوعات ٥٤٪؜, والعمليات النوعية ١٩٢٪؜, ومكافحة المشاجرات ٥٢٪؜, وانخفاض الدكات العشائرية ٢٩٪؜.
وحينما تتكلم لغة الأرقام تصمت نبرة الكتابة السردية عن رجلٍ مفعمٍ بالعطاء ورجل احق ان يسمى بالرجل الظاهرة، أنه الرجل التشح بلباسٍ أبيض بكهف الفحم المليء بالسخامْ.

المزيد من مقالات الكاتب