استعداداً لـ"غياب أميركا".. هجمات ترامب تجبر أوروبا على تسريع خطط الدفاع

عربي ودولي

08:09 - 2025-12-10
تكبير الخط
تصغير الخط

اليوم الأخبارية - متابعة

حددت الدنمارك للمرة الأولى الولايات المتحدة كـ"أحد التهديدات الأمنية"، التي تواجه البلاد، وذلك في تقييم المخاطر السنوي الذي نُشر الأربعاء، وذلك بعد أن أصدرت الولايات المتحدة استراتيجيتها للأمن القومي.
وكشف التقرير، الصادر عن جهاز الاستخبارات الدفاعية الدنماركي، أن الولايات المتحدة "تستخدم الآن قوتها الاقتصادية والتكنولوجية كأداة للضغط، بما في ذلك تجاه الحلفاء والشركاء"، مشيراً إلى وجود "درجة من عدم اليقين بشأن دور الولايات المتحدة كضامن لأمن أوروبا"، وفقاً لـ"بلومبرغ".
ولفت إلى وجود منافسة متزايدة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا فيما يتعلق بالقطب الشمالي وجرينلاند، وهي إقليم دنماركي أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغبته في سيطرة واشنطن عليه.
وأشار التقرير الاستخباراتي إلى أن تصاعد التنافس بين القوى العظمى في القطب الشمالي، أدّى إلى زيادة ملحوظة في الاهتمام الدولي بالمنطقة.
وأوضح أن ذلك "ينطبق بشكل خاص على اهتمام الولايات المتحدة المتزايد بجرينلاند وأهميتها للأمن القومي الأميركي. كما يزيد هذا الاهتمام من خطر التجسس، بما في ذلك التجسس الإلكتروني، ومحاولات التأثير على جميع أجزاء مملكة الدنمارك".
ووفقاً لمجلة "بوليتيكو"، فإن موجة الهجمات التي يشنها ترامب على الاتحاد الأوروبي تجبر قادته على مواجهة ما كان يُعد "مستحيلاً"، وهو مستقبل لا تكون فيه الولايات المتحدة الضامن الأساسي لأمن القارة، وتُضطر فيه أوروبا إلى بناء دفاعاتها الذاتية بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً،
واستعداداً لاحتمال تراجع الدور الأميركي، بدأ قادة الاتحاد الأوروبي بالفعل اختبار نظام أمني تقوده أوروبا. إذ تُتخذ أهم القرارات المتعلقة بأوكرانيا ضمن إطار يُعرف بـ"تحالف الراغبين"، وهو تكتل مرن تقوده بريطانيا وفرنسا، ويضم أيضاً ألمانيا.
ويبحث صانعو السياسات الأوروبيون تعزيز التنسيق من خلال "القوة الاستكشافية المشتركة" التي تقودها بريطانيا، أو الدفع باتجاه "ركيزة أوروبية" أقوى داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي فكرة تدعمها باريس منذ فترة طويلة، وتكتسب الآن زخماً في برلين.
وقال مسؤول دفاعي بارز من دولة أوروبية متوسطة الحجم لـ"بوليتيكو"، إن المحادثات مع مسؤولين أميركيين بشأن الضمانات الأمنية لأوكرانيا أصبحت "محرجة".
والأهم من ذلك، وفق المسؤول، أن النقاشات المتعلقة بالمادة الخامسة، البند في معاهدة "الناتو" الذي يُلزم الحلفاء بالدفاع المتبادل في حال التعرض لهجوم، باتت "محرجة" بالقدر نفسه.
وأضاف أن "درجة عدم اليقين" حيال كيفية تصرف الولايات المتحدة في حال تعرض دولة على الخطوط الأمامية لهجوم "مرتفعة للغاية".
قلق من غياب روبيو
يقول مسؤولون أمنيون حاليون وسابقون إن السؤال لم يعد ما إذا كانت أوروبا ستتحمل المسؤولية الأساسية عن دفاعها وأمنها، بل متى سيحدث ذلك.
وأثار غياب وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، عن اجتماع حديث لوزراء خارجية "الناتو"، وهو أمر لم يحدث إلا مرات قليلة في تاريخ الحلف، قلقاً لدى مسؤولي الاتحاد الأوروبي وعدد من المسؤولين السابقين في "الناتو".
وتفاقم هذا القلق بعدما هاجم نائبه كريستوفر لاندو الدول الأوروبية، بسبب "تفضيلها صناعاتها الدفاعية" بدل مواصلة شراء السلاح الأميركي.
وحصلت الجهود الرامية إلى إنشاء منصات جديدة مستقلة عن واشنطن على دفعة إضافية الأسبوع الماضي مع نشر "استراتيجية الأمن القومي" لإدارة ترامب.
قال البيت الأبيض إن أوروبا مهددة بـ "زوال حضاري" نتيجة لعقود من الانخفاض الاقتصادي، والرقابة السياسية، والهجرة، وذلك وفقاً لوثيقة جديدة للأمن القومي.
وجاء في الوثيقة: "أيام الولايات المتحدة وهي تحمل النظام العالمي على كتفيها مثل أطلس قد انتهت"، وأضافت: "على الدول الغنية والمتقدمة … أن تتحمّل المسؤولية الأساسية عن مناطقها".
وأشارت الوثيقة إلى أن الهجرة الجماعية في أوروبا "تحول القارة وتخلق اضطرابات". وأضافت: "إذا استمرت الاتجاهات الحالية، ستكون القارة بلا ملامح خلال 20 عاماً أو أقل. وبالتالي، من غير الواضح ما إذا كانت بعض الدول الأوروبية ستكون لديها اقتصادات وجيوش قوية بما يكفي للبقاء حلفاء موثوقين".
وإذا أصبح حلفاء "الناتو" في غالبيتهم غير أوروبيين، "فهناك سؤال مفتوح عما إذا كانوا سيرون موقعهم في العالم، أو تحالفهم مع الولايات المتحدة، بالطريقة نفسها التي رأى بها الموقع أولئك الذين وقعوا ميثاق الناتو"، بحسب الوثيقة
وفي مقابلة، الاثنين، كرر ترامب مواقفه، قائلاً إن أوروبا الخاضعة لـ"الهجرة الجماعية" هي قارة "تتآكل" و"تائهة". وأضاف في حديث مع داشا بيرنز من "بوليتيكو": "قادة أوروبا الضعفاء ببساطة لا يعرفون ماذا يفعلون".
وأضاف: "الناس الذين يدخلون (إلى أوروبا) لديهم أيديولوجية مختلفة تماماً سيكونون أضعف بكثير، ومختلفين تماماً".
نظام أوروبي جديد
وفي مواجهة الهجمات المتواصلة من إدارة ترامب، يعمل الاتحاد الأوروبي بهدوء على وضع ضمانات أمنية جديدة في حال أثبتت ضمانات "الناتو" عدم موثوقيتها.
وقال مفوض الدفاع الأوروبي أندريوس كوبليوس لـ"بوليتيكو" في نهاية نوفمبر الماضي: "السؤال هو ما إذا كنا بحاجة إلى شكل من أشكال الضمانات الأمنية الإضافية والترتيبات المؤسسية لنكون مستعدين، في حال لم تُطبق المادة الخامسة فجأة". ومع ذلك، أضاف: "يجب أن نعتمد دائماً على المادة الخامسة".
وأشار إلى أن الأساس القانوني لمثل هذا الضمان موجود في المادة (42.7) من معاهدة الاتحاد الأوروبي، والتي وُضعت بعد حرب كوسوفو أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما دفع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير باتجاه أن تتولى أوروبا زمام الدفاع بنفسها.
وأعرب كوبليوس، وهو رئيس وزراء ليتوانيا السابق، عن رغبته في استغلال العام المقبل لتوضيح بنود المادة، وتحديد الإجراءات التي ستتخذها الدول للدفاع عن بعضها.
وأشار إلى تصريحات أخيرة لسفير الولايات المتحدة لدى "الناتو" ماثيو ويتاكر، الذي ألمح إلى ضرورة أن تتولى ألمانيا القيادة العسكرية للحلف بدل الأميركيين. وقال إن هذا التصريح "هو إشارة واضحة إلى أن الأميركيين يطلبون منا تولي مسؤولية الدفاع الأوروبي".
نهاية حقبة
ومع تحذيرات قادة الجيوش الأوروبية وأجهزة الاستخبارات من احتمال وقوع هجوم روسي بحلول عام 2028، تتغير المواقف التقليدية تجاه الدفاع، والاعتماد على الولايات المتحدة، بسرعة.
فحتى وقت قريب، كانت ألمانيا ثابتة في دعمها لـ"ناتو" بقيادة أميركية. لكن تحت قيادة المستشار فريدريش ميرتس، بدأت برلين الآن محادثات مع باريس بشأن كيفية مساهمة الردع النووي الفرنسي في أمن أوروبا.
وكانت مصادر مطلعة، قالت الثلاثاء، إن المشرعين الألمان سيوافقون الأسبوع المقبل على 29 عقداً لمشتريات عسكرية جديدة بقيمة قياسية تبلغ 52 مليار يورو، وذلك في إطار مساعي الحكومة لتحويل القوات المسلحة الألمانية إلى أقوى جيش في أوروبا، حسبما أفادت به "بلومبرغ".
ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة قولها إن "الطلبيات العسكرية تشمل ما قيمته 4.2 مليار يورو من مركبات المشاة القتالية طراز (بوما)، وثلاثة مليارات يورو من صواريخ الدفاع الجوي (آرو 3) ومنصات إطلاقها، إلى جانب 1.6 مليار يورو مخصصة لأقمار اصطناعية للمراقبة".
وفي نوفمبر، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إطلاق الخدمة العسكرية الطوعية للشباب الفرنسيين بدءاً من الصيف المقبل، في إطار تعزيز قدرات القوات المسلحة الفرنسية استعداداً لأي "أزمة محتملة"، وفق "لوموند".
وأوضح ماكرون في قاعدة "فارسيس" العسكرية بجبال الألب الفرنسية، أن الخدمة ستكون إلزامية فقط في حالات الأزمات الكبرى، مؤكداً رفضه إعادة التجنيد الإجباري الكامل، لكنه شدد على أن فرنسا قد تستدعي الشباب ذوي المهارات في "حالة الحرب".

أخبار ذات صلة