النوم فوق الغيوم

حمزة مصطفى

قبل 2 اسابیع
تكبير الخط
تصغير الخط

كنت في "سابع نومة" عندما أيقظني صوت المضيفة وهي تطلب من ركاب الطائرة الرئاسية التي اقلتنا الى واشنطن ربط الأحزمة لأننا سنواجه بعد قليل "مطبات" جوية. وفيما جلست على مقعدي كان العديد من الزملاء الآخرين مازالوا "غاطين" في نومهم وربما أحلامهم غير عابئين بالمطبات التي حذر منها الطيار وذلك بأن أعطى إشارة ربط الأحزمة فضلا عن المضيفة. بعد قليل بدأت الطائرة التي تحلق على بعد 43 الف قدم عن سطح المحيط الذي كنا فوقه لمدة 7 ساعات متواصلة وتسير بسرعة 850 كم بالساعة تهتز مثل السعفة بينما "حطينا" نحن الجالسين أو الذين إستجابوا لتحذيرات المضيفة وأوامر الطيار "عيننا بعين الله" الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. لم تستمر المطبات طويلا لكنها كانت مخيفة نوعا ما. ومما زاد من خوفنا وقلقنا, خوفي أنا وقلقي على الأقل إنني لا أجيد السباحة حتى في نهر "الخر" أو "شطيط" فكيف يمكن أن أسبح  بالمحيط الأطلسي بإفتراض إنني طبقت التعليمات بحذافيرها التي تتلوها عادة مضيفات الطيران عند كل رحلة وهي إرتداء سترة النجاة والتوجه الى أقرب مخرج طوارئ في حال حدث مالا تحمد عقباه, مع إني على قناعة أن الطيارة صممت لكي لاتسقط الإ ما ندر وتحت ظروف قاهرة وأخطاء بشرية. 
المدة الزمنية التي قطعتها الطائرة في طريق الذهاب 13 ساعة وربع الساعة. اما في طريق العودة فكانت 12 ساعة الإ عشر دقائق. في الطريق الى واشنطن نحو نصف المدة الزمنية قضيناها فوق المحيط الأطلسي الذي لم نكن نرَ مياهه الإ على الخريطة التي امامنا التي تظهر إننا نعوم فوق مسطح مائي ضخم تنفث الطائرة المزيد من العوادم لكي تقطعه ولايزال يتابعنا كظلنا. أما الرؤية من نوافذ الطائرة فلا تريك سوى الغيوم التي تتجمع بكثافة مذهلة وفي مختلف الألوان والتي تبدو الى حد كبير مخيفة ربما أكثر من الطائرة التي شعرت بالإطمئنان لها بعد نحو 6 ساعت طيران. أحد الزملاء قال "مبقى شي ونوصل كلها 7 ساعات". وبين "ضحكة وأبتسامة" على طريقة رضا علي كنا نتلهى إما بوجبات الطعام أو الطلب من المضيفات جلب المزيد من أكواب الشاي والقهوة والآيس كريم لكي "نتلهى" بالوقت الطويل الذي لا يزال يفصلنا عن الهبوط في قاعدة أندروز الجوية بولاية ميرلاند بالولايات المتحدة الأميركية. 
في طريق العودة إختلف الأمر نسبيا بالنسبة لي على الأقل.  رحلة الإياب بدت أقصر من رحلة الذهاب بنحو ساعة وربع, وطريق الطيران إختلف بحيث تجاوزنا المحيط حيث لم نحلق فوقه الإ لمسافة بسيطة. لكن في الحالتين فإن الغيوم التي كنا ننام فوقها باقية كما هي وكإنها حرصت على مرافقتنا في طريقي الذهاب والعودة. ولأن النوم فوق الغيوم تجربة جديدة وفريدة بالنسبة لي فقد حاولت في طريق العودة أن أكون "ريلكس حبتين" بحيث نمت مايقارب أربع ساعات مرة واحدة وكأني أنام على فراش وثير في غرفة نوم هادئة لا مطبات ولا هبطات حتى أيقظني الزميل فلاح الذهبي معلنا إننا الآن أصبحنا فوق اوروبا في طريقنا الى بغداد التي وصلناها بعد "نومتي" الهانئة هذه بنحو أربع ساعات ونصف. وحين أعلنت المضيفة إننا بدأنا إجراءات الهبوط في مطار بغداد الدولي مع أوامر صارمة بربط الأحزمة حتى ظهرت السماء صافية والشمس ساطعة والحرارة فوق الثلاثين بينما تركناها في واشنطن 12 مئوية. مع ذلك رددت و انا انزل من سلم الطائرة كأي وينستن تشرشل بيت السياب الشهير"الشمس أجمل في بلادي من سواها" لكنها يا أبا غيلان .. لفحتنا لفح.
 

المزيد من مقالات الكاتب