يتسلل لخصوصياتنا من اللايك والبحث.. مختصون يكشفون مخاطرالذكاء الاصطناعي

منوعات

12:53 - 2025-11-14
تكبير الخط
تصغير الخط

اليوم الأخبارية - متابعة

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية مساعدة في حياتنا اليومية، بل أصبح أحد أهم العوامل التي تُعيد تشكيل وعي الإنسان وسلوك المجتمعات، فاليوم نحن لا نتعامل مع آلات تُنفّذ أوامرنا فقط، بل مع "عقول رقمية" قادرة على التفكير والتعلم والتحليل، والتأثير في قراراتنا، والتدخل في خصوصياتنا دون أن ندرك ذلك.
لكن كيف تحول الذكاء الاصطناعي إلى شريك في تشكيل الوعي البشري وتوجيه مسار الفكر الإنساني.. وهل هناك مخاطر وعواقب لذلك خاصة من تدخل في التأثير على قراراتنا والتدخل في خصوصياتنا؟
بهذا الصدد، يقول الدكتور محمد محسن رمضان، رئيس وحدة الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني بمركز العرب للأبحاث والدراسات، إن التكنولوجيا كانت وسيلة لتسهيل العمل وتسريع المهام، أما الآن فقد تجاوز الذكاء الاصطناعي هذا الدور ليصبح شريكًا معرفيًا يُنتج الأفكار بل يكتب المقالات ويصمم الصور ويحلل البيانات ويقترح الحلول.
كما أضاف أن هذا التحول يجعلنا أمام سؤال جوهري، وهو هل ما نفكر فيه اليوم نابع من وعينا الذاتي أم من خوارزميات تقترح علينا ما نقرأه ونراه ونؤمن به؟ فالوعي الجمعي للمجتمعات لم يعد يتشكل فقط من خلال الإعلام التقليدي أو المؤسسات الثقافية بل من خلال منصات رقمية تستخدم الذكاء الاصطناعي لتخصيص المحتوى لكل فرد، مضيفا أن كل "لايك" أو "بحث" نقوم به يساهم في رسم خريطة ذهنية رقمية عنا.
وأشار إلى أن هذه الخريطة تُستخدم لتغذية خوارزميات التوصية التي تحدد لك ما تراه على فيسبوك، تيك توك، ويوتيوب، والنتيجة، فقاعات وعي رقمية يعيش داخلها كل فرد في عالم مصمم خصيصًا له، مما يقلل من تنوع الرؤى، ويخلق مجتمعات منغلقة معرفيًا، إنها ليست فقط ثورة معلوماتية بل إعادة برمجة للعقل الإنساني.
هذا، وأوضح رمضان أنه مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI)، أصبح بالإمكان خلق صور وفيديوهات وأصوات واقعية تمامًا لشخصيات لم تقل أو تفعل ما يُعرض، تقنية Deepfake مثال صارخ على ذلك، لقد دخلنا عصر "تزييف الوعي"، حيث لم تعد الحقيقة ما حدث بالفعل، بل ما تُقنعك به الخوارزمية أنه حدث، والخطورة هنا ليست فقط في التضليل السياسي أو الإعلامي، بل في تحويل الإنسان إلى متلقٍ سلبي يفقد قدرته على التمييز بين الحقيقي والمصطنع.
من جانبه، أكد اللواء طارق عطية مساعد أول وزير الداخلية المصري لقطاع الإعلام والعلاقات الأسبق أن المدارس والجامعات ووسائل الإعلام لم تعد المصدر الوحيد للمعرفة، فالذكاء الاصطناعي أصبح يُقدّم دروسًا، ويشرح المفاهيم، يكتب القصص، ويُنتج الأخبار، لكن المشكلة ليست في القدرة التقنية بل في الحياد المعرفي، فمن يضمن أن المعلومات التي يُنتجها الذكاء الاصطناعي لا تحمل تحيّزًا خفيًا؟ متسائلا بالقول: من يراقب المحتوى الذي يصنعه نظام يتعلم من بيانات بشرية مليئة بالأخطاء والمغالطات؟ إننا نقترب من مرحلة يصبح فيها الإعلام والتعليم مرهونين بخوارزميات غير خاضعة للرقابة الكاملة.
كما أشار عطية إلى أن الجدل الفلسفي حول وعي الآلة لم يعد مجرد فرضية أكاديمية، فاليوم أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على تحليل المشاعر، وتقييم المواقف، وحتى كتابة نصوص تعبر عن مشاعر شبه بشرية، لكن يبقى السؤال الأعمق: هل تمتلك هذه الأنظمة وعيًا حقيقيًا أم أنها فقط تحاكي الوعي من خلال بيانات ضخمة؟ وربما الأخطر من ذلك: هل سيأتي يوم تصبح فيه قراراتنا الأخلاقية والسياسية نتاجًا لخوارزمية أكثر من كونها انعكاسًا للقيم الإنسانية؟
وتابع: إذا كان الأمن السيبراني يحمي الأنظمة من الاختراق فإن الأمن الفكري اليوم هو خط الدفاع الجديد لحماية العقول، فالخطر لم يعد فقط في تسريب البيانات، بل في تسريب الأفكار الموجّهة والتلاعب بالعقول، موضحا أن المعركة القادمة ليست على مستوى الأنظمة الرقمية بل على مستوى الوعي البشري، لذلك يجب أن تمتد سياسات الأمن السيبراني لتشمل مكافحة الاختراق العقلي، وتعزيز الوعي النقدي، وتدريب الأجيال القادمة على التمييز بين المعلومة الصحيحة والمزيفة.
واختتم اللواء عطية قائلا: إن الذكاء الاصطناعي يقدم للبشرية فرصا هائلة، لكنه في الوقت نفسه يحمل تهديدا خفيا يتعلق بأعز ما نملك وهو العقل والحرية الفكرية، فالمطلوب اليوم ليس مقاومة الذكاء الاصطناعي بل ترشيد استخدامه وضبط تأثيره حتى يبقى خادمًا للإنسان لا مُوجّهًا له.

أخبار ذات صلة