اليوم الاخبارية - بغداد
يشهد العراق أزمة بيئية متفاقمة مع تصاعد آثار الجفاف وشحّ المياه، حيث تتعرض الأهوار والمسطحات المائية في البلاد إلى تدهور غير مسبوق، مهددةً التنوع الحيوي ومصادر رزق السكان المحليين.
ويُعدّ هور الدلمج، الممتد بين محافظتي واسط والديوانية، أحدث ضحايا هذه الأزمة التي تعكس عمق التحدي المائي في البلاد.
تهديد لرزق الصيادين
فقد تسبّب جفاف المسطحات المائية في هور الدلمج بتهديد خطير لمصادر دخل العديد من الصيادين الذين يعتمدون على صيد الأسماك والطيور المهاجرة كمصدر رزق أساسي.
وأظهرت مشاهد مصوّرة بطائرة مسيّرة، التُقطت في31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اتساع رقعة الجفاف الذي ضرب المنطقة، إلى جانب تشققات في الأرض ووجود قوارب مهجورة تركها الصيادون بعد أن فقدت المياه التي كانت تحملها.
فيما قال أحد الصيادين المتأثرين بالجفاف، إن الطيور والأسماك بأنواعها اختفت. بعد أن حلّ الجفاف في المنطقة، مشيرا إلى أن الطير توقف عن النزول نهائياً، وأصبح القاع عبارة عن صحراء، وتحوّلت المنطقة إلى أراضٍ جافة.
وأضاف أن كثيراً من الأهالي اضطروا إلى ترك منازلهم والنزوح نحو المدن بحثاً عن فرص معيشة، رغم صعوبة الأوضاع هناك.
عاملان أساسيان وراء الجفاف
من جانبه، أوضح مفيد هادي، الصحافي والناشط المهتم بالشأن البيئي، أن أسباب الجفاف تعود إلى عاملين رئيسيين: "الأول هو الاحتباس الحراري والتغير المناخي، والثاني هو سياسات دول الجوار التي أثّرت سلبًا على العراق، خصوصًا ما يتعلق بقوانين الدول المتشاطئة ونسب توزيع المياه".
وأشار هادي إلى أن قلة الأمطار ساهمت في تفاقم الوضع، لافتاً إلى أن العراق يعتمد أساساً على المياه السطحية أكثر من الجوفية، ما انعكس سلباً على معظم الأنهار، بما فيها دجلة والفرات، الموردان الرئيسيان للمياه في البلاد.
وأضاف: "في هور الدلمج تحديداً، يعتمد معظم السكان على صيد الأسماك والطيور المهاجرة، ومع الجفاف تحولت المنطقة إلى بيئة طاردة لكل أشكال الحياة المائية".
تحوّل إلى صحراء
من جهته لفت وزير البيئة هه لو العسكري إلى إن البلاد تواجه تحديات وجودية مرتبطة بشح المياه والجفاف وتزايد آثار التغير المناخي، مشدداً على ضرورة تحشيد الدعم الدولي والإقليمي وتعزيز التعاون العربي لضمان الأمن المائي والغذائي والبيئي.
ودعا العسكري إلى موقف عربي موحد قبيل مؤتمر المناخ "كوب 30" للدفاع عن العدالة المناخية وحقوق الدول النامية في التنمية، ضمن مبدأ المسؤوليات المشتركة والمتباينة.
ويُغذّى هور الدلمج عادةً من التقاء نهري دجلة والفرات ومياه الأمطار، إلا أن جفاف نهر دجلة وندرة الأمطار في السنوات الأخيرة حوّلا معظم أراضيه إلى صحراء قاحلة.
ويُعدّ ما يجري في هور الدلمج مؤشراً خطيراً على مستقبل الأمن المائي في العراق، إذ تُظهر تقارير الأمم المتحدة أن البلاد تواجه واحداً من أعلى معدلات التصحر والجفاف في الشرق الأوسط.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، فإن أكثر من 7 ملايين عراقي مهددون بفقدان مصادر رزقهم بسبب تراجع الموارد المائية بحلول عام 2030، ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة لإدارة المياه والتعاون مع دول الجوار على نحو مستدام.
وتبقى قضية المياه في العراق اليوم أزمة وطنية وإنسانية في آن واحد، تهدد الزراعة والحياة البرية والمعيشة الريفية، وتدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل بيئي يحتاج إلى تدخل سريع قبل أن تجف الأهوار تماماً.