اليوم الأخبارية - متابعة
تُعدّ سفن توليد الكهرباء التركية واحدة من أبرز الحلول المرنة التي لجأت إليها دول عربية لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، في ظل أزمات الإمدادات وتراجع البنية التحتية في بعض الدول.
وتبرز شركة "كارباورشيب" التركية (Karpowership)، الذراع العائمة لمجموعة "قره دينيز" للطاقة، في هذا المجال بصفتها رائدة في تشغيل محطات كهرباء عائمة تُثبَّت على سفن وصنادل بحرية، وتوفّر حلولًا سريعة وقابلة للتنفيذ دون الحاجة إلى بناء محطات برية تقليدية.
وتُقدم الشركة التركية خدماتها حاليًا إلى أكثر من 17 دولة، بينها 10 دول أفريقية، بطاقة تشغيلية تتجاوز 1700 ميغاواط في القارة وحدها؛ ما يرسّخ مكانتها بوصفها شريكًا حيويًا في قطاع الطاقة المؤقتة وشبه الدائمة.
وكانت دول عربية، مثل العراق ولبنان والسودان وسوريا، وأخيرًا المغرب، من بين أبرز الدول التي استعانت بتلك السفن لسد عجز الطاقة لديها أو لتأمين إمدادات مرحلية خلال أوقات الذروة أو الأزمات.
في خطوة لافتة، انضم المغرب حديثًا إلى قائمة الدول العربية التي تدرس التعاون مع سفن توليد الكهرباء التركية، لا سيما في ظل تركيز الرباط على دعم مزيج الكهرباء خلال المرحلة الانتقالية.
وخلال مشاركته في منتدى الطاقة الأفريقي، أكّد نائب رئيس مبيعات كارباورشيب في أفريقيا، علي حجيج، أن المغرب يُعدّ سوقًا إستراتيجية واعدة؛ نظرًا إلى ريادته في الطاقة المتجددة واعتماده المتزايد على الغاز.
وأوضح حجيج أن حلول الغاز المسال العائم التي تقدمها شركته تُوفّر موثوقية فورية، وتمثّل حلًا انتقاليًا مثاليًا، لا سيما في ظل انتظار اكتمال مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب.
وأضاف أن الشركة تستطيع تقديم بدائل من خلال وحدات عائمة للتخزين وإعادة التغويز (FSRU)، تسمح باستيراد الغاز من أسواق متعددة وبأسعار تنافسية؛ ما يعزّز مرونة منظومة الطاقة المغربية.
كان العراق أول دولة عربية تستعين بسفن توليد الكهرباء التركية، عندما وقّع عقدًا مع "كارباورشيب" في عام 2008 لتشغيل 3 سفن بطاقة إجمالية بلغت 520 ميغاواط.
وشكّلت تلك السفن ما يصل إلى 15% من احتياجات العراق من الكهرباء في ذلك الوقت؛ وهو ما دفع بغداد إلى تمديد التعاقد بعد انتهاء مدته الأولى، ما يعكس فاعلية هذا الحل في بيئة تعاني ضعف البنية التحتية.
وفي 3 يونيو/حزيران الجاري 2025، قررت الحكومة العراقية التعاقد، مجددًا، مع شركة كارباورشيب التركية لتوليد الكهرباء.
ويتضمّن التعاقد الجديد نشر بواخر توليدية لإضافة سعة مقدارها 650 ميغاواط، لسد النقص الحاصل بإنتاج الكهرباء خلال مدة ذروة الأحمال في الصيف.
وفي يونيو/حزيران 2012، تعاقدت مؤسسة كهرباء لبنان مع "كارباورشيب" لتشغيل سفينتَيْن بقدرة إجمالية 404 ميغاواط.
ودامت التجربة لمدة 9 سنوات، أسهمت خلالها السفن في تغطية نحو 25% من الطلب على الكهرباء في لبنان، في واحدة من أنجح التجارب على مستوى المنطقة.
ونالت تلك التجربة اعترافًا دوليًا، من خلال إدراجها ضمن سلسلة "وقت العمل العالمي" التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي؛ ما يسلّط الضوء على دور تلك التقنية في توفير حلول طارئة ومستدامة نسبيًا في بيئات الأزمات.
وبدأت سفن توليد الكهرباء التركية نشاطها في السودان خلال مايو/أيار 2018، عندما رست سفينة "قره دينيز باورشيب" في ميناء بورتسودان بطاقة أولية 180 ميغاواط.
وفي عام 2021، اتفقت الخرطوم مع أنقرة على زيادة حجم التوليد الكهربائي من السفينة التركية في البحر الأحمر من 150 ميغاواط إلى 250 ميغاواط يوميًا بدءًا من مايو/أيار 2022.
ويُعد السودان إحدى أبرز الأسواق الأفريقية التي تستهدفها "كارباورشيب" ضمن خطة التوسع في تقديم حلول الطاقة المتنقلة، لسدّ الفجوة بين العرض والطلب، مع غياب بنية تحتية كافية في معظم أنحاء البلاد.
وشكّل هذا التعاون جزءًا من اتفاقية أوسع لتعزيز التعاون في مجال الطاقة بين أنقرة والخرطوم، كما استُعملت الكهرباء المنتجة في تغذية الشبكة الوطنية بصورة مباشرة.
على الرغم من إعلان الحكومة السورية في يناير/كانون الثاني 2025 نيتها الاعتماد على سفن توليد الكهرباء التركية والقطرية، فإن المشروع لم يدخل حيّز التنفيذ بعد؛ نتيجة عدم التوصّل إلى اتفاق نهائي.
وكشف المدير العام لمؤسسة النقل والتوزيع بوزارة الطاقة السورية، المهندس خالد أبو دي، عن أن المؤسسة بدأت تجهيز خطوط الربط الكهربائي، استعدادًا لاحتمال تشغيل السفينتين، إلا أن موعد وصولهما ما يزال مؤجلًا لأجل غير مسمّى.
وكان من المفترض أن تولّد السفينتان (تركية وقطرية) نحو 800 ميغاواط، أي ما يعادل نصف الإنتاج الحالي في سوريا؛ ما يعكس حجم الاعتماد المرتقب على تلك السفن حال فُعّل الاتفاق.
تقنية مرنة
تعتمد سفن توليد الكهرباء التركية على محركات ترددية عالية الكفاءة، قادرة على العمل بأنواع وقود متعددة، بما فيها الغاز المسال والوقود السائل.
كما تُتيح المحطات العائمة سرعة النشر وتعديل السعة بحسب الطلب، وهو ما يجعلها حلًا مثاليًا للدول التي تحتاج إلى طاقة كهربائية فورية دون استثمارات ضخمة في البنية التحتية.
وتُوفّر هذه السفن ما يُعرف بـ"سلسلة القيمة الجاهزة"، بدءًا من استيراد الغاز وتخزينه، مرورًا بإعادة التغويز، وصولًا إلى توليد الكهرباء وربطها مباشرة بالشبكات الوطنية.
الطلب على الكهرباء في المنطقة العربية
مع تزايد الطلب على الكهرباء وتكرار أزمات الإمداد في عدد من الدول العربية، يُتوقَّع أن تتوسع خدمات سفن توليد الكهرباء التركية في المنطقة، لا سيما في البلدان التي تمر بمراحل انتقالية أو تحديات تمويلية لبناء محطات تقليدية.
وفي الوقت الذي شكّلت فيه تجارب العراق ولبنان والسودان نماذج واضحة للنجاح، يبدو أن المغرب قد يمهّد الطريق لمرحلة جديدة من الاعتماد على هذه التقنية في شمال أفريقيا، لا سيما إذا ما اقترنت بحلول الغاز العائم بوصفها مرحلة انتقالية نحو مزيج كهرباء أكثر استدامة.