مسيحيّو سوريا يرفعون الصوت: باقون هنا

عربي ودولي

10:34 - 2025-06-26
تكبير الخط
تصغير الخط

اليوم الأخبارية - متابعة
استهدف هجوم إرهابي كنيسة مار الياس للروم الأرثوذكس في حي الدويلعة في دمشق يوم الأحد الفائت، ما أسفر عن استشهاد نحو 25 مسيحيًّا خلال القداس، مثيرًا صدمة واسعة في الأوساط المسيحية ومجدّدًا التساؤلات حول مصير الأقليّات في سوريا. وخلال صلاة الجنازة التي أقيمت الثلثاء، ألقى بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي كلمة حادّة انتقد فيها تقصير السلطات السورية في حماية المسيحيين، معتبرًا أنّ اتصال الرئيس السوري أحمد الشرع بعد التفجير غير كافٍ لأنّ المصيبة كبرى، وهو موقف قوبل بتصفيق حارّ وطويل من الحاضرين، في تعبير واضح عن حالة الغضب والاحتقان لدى الطائفة الأرثوذكسية وفق ما ورد في "نداء الوطن".
من المهادنة إلى المواجهة
حول العلاقة الجديدة بين الكنيسة الأرثوذكسية والسلطة السورية، رأى الباحث في التاريخ والخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور عماد مراد خلال حديث مع “نداء الوطن” أنّ هذه الحادثة تشكّل تحوّلًا في العلاقة، خصوصًا في ضوء انتقادات البطريرك المتكرّرة للحكم الجديد. ولفت إلى أنه “قبل استلام السلطة السورية الجديدة الحكم، لم يكن هناك تباين بين الكنيسة الأرثوذكسية والدولة”، مشيرًا إلى أن “حافظ الأسد كان يعتمد مبدأ أنّ قوّته قائمة على تحالف الأقليّات، كونه ينتمي إلى الطائفة العلوية التي تشكّل أقليّة بدورها، وبالتالي، كان من الطبيعي أن يوطّد علاقته بالمسيحيين، ولا سيّما الأرثوذكس”.
وأوضح مراد أنّ “المسيحيين خلال حكم آل الأسد لم يتمتّعوا بحماية أو حرّية كاملة، لكن كان هناك نوع من الأمان ومصلحة متبادلة بين الطرفين”، لافتًا إلى أن “الأسد الأب كان يروّج لفكرة أن سقوط نظامه سيؤدي إلى قيام دولة إسلامية في سوريا، ما دفع الأقليات إلى التمسّك به كحامٍ ولو ضمنيًا”.
في سياق متصل، رأى مراد أن “النظام السوري السابق، إلى جانب “حزب اللّه”، شكّلا نوعًا من الضمانة الموَقتة لمسيحيي سوريا، من خلال الوقوف في وجه الموجات المتطرّفة”. لكنه اعتبر أن “هذا الواقع ترك أثرًا سلبيًا، إذ دفع بعض المتطرّفين داخل السلطة السورية الحالية إلى التعامل مع المسيحيين على أنهم امتداد سياسي للنظام السابق، ما جعلهم عرضة لانتقام مقنّع”.
الكنيسة الأرثوذكسية ودورها المرتقب
البطريرك يازجي لم يكن جديدًا على خطاب المواجهة، إذ سبق له أن وجّه انتقادات مماثلة للسلطة خلال عظته في احتفالات عيد الميلاد، داعيًا إلى الانفتاح والتعاون مع جميع مكوّنات الشعب السوري. أمّا اليوم، وبعد المجزرة التي أودت بحياة مسيحيين أثناء صلاتهم داخل كنيسة مار الياس، فبدا خطابه أكثر حدّية، ليضع الحكم أمام اختبار حقيقي وجديد حول مدى استعداده لحماية المسيحيين وسائر الأقليات في البلاد واحترام حقوقهم.
الوضع الراهن يضع المسيحيين السوريين أمام تحدّيات جسيمة، خصوصًا في ظلّ التصاعد المستمرّ لأعمال العنف ضدّهم. لكن رغم ذلك، أكّد مراد أن “المسيحيين متعلّقون بأرضهم، ولا يرغبون في الهجرة أو التخلّي عن جذورهم، والدليل على ذلك مشاركتهم الواسعة في مراسم دفن شهداء التفجير، التي تحوّلت إلى تظاهرة إيمانية ووطنية تعبّر عن تشبّثهم بسوريا رغم الألم”.
وفي السياق، اعتبر مراد أن “الكنيسة الأرثوذكسية في سوريا، بقيادة البطريرك يازجي، تمثل صوت جميع المسيحيين، وستلعب دورًا محوريًا في المرحلة المقبلة، تمامًا كما لعبت الكنيسة المارونية دورًا سياسيًا في لبنان في مراحل حسّاسة من تاريخه”.
وحول خلفيات التفجير الإرهابي الذي استهدف المسيحيين، فضلًا عن المضايقات التي يتعرّضون لها، رأى مراد أن “هذه العمليات ليست ذات طابع سياسي، بل هي ذات بُعد ديني واضح، وتهدف إلى فرض الإسلام المتشدّد من قِبل جماعات متطرّفة تسعى إلى إقامة دولة إسلامية وترى في غير المسلم مواطنًا من الدرجة الثانية”.
وإذ شدّد مراد على أنه “لا تجوز المقارنة بين مسيحيي الشرق، وتحديدًا سوريا، وبين المسيحيين في لبنان”، أوضح أن “مسيحيي لبنان لديهم جذور عريقة في تأسيس الكيان اللبناني، وهم الذين رسموا حدود لبنان الكبير، ولا يزال لهم دور سياسي وثقافي أساسي في الحياة اللبنانية”.
وأشار إلى أن “البطريرك الراحل مار نصرالله صفير، على الرغم من معارضته الشديدة للوصاية السورية على لبنان، لم يهاجم يومًا رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، ورفض إسقاطه في الشارع، ما يُعبّر عن نمط مختلف من التعاطي السياسي لا يمكن إسقاطه على الواقع السوري”.
وختم مراد أن “الوضع المسيحي في لبنان، خصوصًا بعد الحرب الإسرائيلية على “حزب اللّه”، وانتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، يشهد استقرارًا وازدهارًا ملحوظًا، وهو ما يفتقر إليه المسيحيون في سوريا في هذه المرحلة الحرجة”.
المسيحيون في الشرق ليسوا مجرّد أقلّية تبحث عن أمان، بل هم مكوّن تأسيسي يحمل رسالة، ومقاومون حتى الرمق الأخير. المسيحيون لا يبحثون عن حماية، ولا هم أتباع، بل أحرار ومتجذّرون في أرضهم بحسب "نداء الوطن".

أخبار ذات صلة