اليوم الأخبارية - متابعة
صدر عن البيت الأبيض سلسلة قرارات لإعفاء عدد من المسؤولين في الإدارة، على خلفية كونهم مقربين من إسرائيل وممانعين للتواصل مع السلطة الجديدة في سوريا، وعلى رأسهم مستشار الأمن القومي مايكل والتز. واستمرت حركة الإعفاءات لمسؤولين كبار كمورغان أورتاغوس، وإيريك تراغر مدير الشرق الأوسط، وغيرهم.
يشكل تطوران مهمان في الشرق والغرب منذ انطلاقة إدارة ترمب منطلقاً لنقاشات حول مستقبل سوريا بشكل عام وحكمها الحالي بشكل خاص. التطور الأول كان سيطرة "هيئة تحرير الشام" وحلفائها على معظم سوريا والعاصمة دمشق خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، وكان التساؤل المستمر حول مستقبل السلطة الجديدة: فهل ستصمد أم تتهاوى أم تسيطر على جزء من البلاد، أم إنها ستحظى بالاعتراف؟ أما التطور الثاني فحدث بعد أن تم الاعتراف بالسلطة الجديدة في دمشق من قبل القمم الخليجية- الأميركية خلال مايو (أيار) الماضي، وركزت التساؤلات حول التطور الثاني على شروط أميركا والغرب لاستكمال الاعتراف والدعم للحكم في دمشق. فلنستعرض تطور موقف الإدارة من التطورين.
جاء دخول المعارضة إلى العاصمة السورية في مرحلة فراغ سياسي في واشنطن، حيث لم يتسلم دونالد ترمب بعد، وحيث انتهت عملياً ولاية جو بايدن. فكانت المرحلة لمصلحة "المنتصر" على نظام الأسد. البيروقراطية الأميركية الخارجية سارعت إلى الاتصال والتواصل مع السلطات الجديدة في دمشق، وكذلك فعل الاتحاد الأوروبي. ومرت مرحلة ضبابية حول الموقفَين العربي والغربي من السلطات الجديدة. بالطبع، كانت الحكومة التركية التي يقودها حزب "العدالة والتنمية" أول المعترفين بقيادة الرئيس أحمد الشرع. الموقف العربي تطور بسرعة، حيث مرت مرحلة متأرجحة حتى وصول ترمب إلى المكتب البيضاوي في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي. إلا أن الدولة العربية الأولى التي اعترفت بسلطة الحكومة الجديدة كانت قطر، بتنسيق مع تركيا. أما الولايات المتحدة والغرب فقد تمهلا، وانقسمت طواقمهما بين مؤيد للاعتراف ومعارض له. فقد عارضت الأوساط المؤيدة لإسرائيل، وتلك الممثلة للإنجيليين، التواصل مع القوة العسكرية الإسلامية، وصرح مدير دائرة مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض سيباستيان غوركا بأن أميركا غير قادرة على التعاطي مع المتشددين، مضيفاً "إنهم على لوائحنا". في المقابل، تحرك عدد من المقربين من الرئيس ترمب من أوساط رجال الأعمال، وطالبوا بالتواصل مع الحكم الجديد للتوصل إلى الموارد الهائلة التي أراد محور طهران- موسكو- وآل الأسد السيطرة عليها. وانقسم المستشارون الرسميون إلى جناحين، مما أجل البت في الاعتراف.
وجاءت أحداث الساحل مع العلويين، والاختلافات مع الأكراد، والصدام مع الدروز، والضربات الإسرائيلية في سوريا، وخصوصاً الجنوب، لتؤجل قرار التعاطي مع ملف سوريا في واشنطن. ولكن الموقف العربي بدأ يتغير، فقامت السعودية والإمارات والبحرين بدعوة الرئيس السوري واعترفت بشرعيته لحكم سوريا. أما في واشنطن، فصدر عن البيت الأبيض سلسلة قرارات لإعفاء عدد من المسؤولين في الإدارة، على خلفية كونهم مقربين من إسرائيل وممانعين للتواصل مع السلطة الجديدة في سوريا، وعلى رأسهم مستشار الأمن القومي مايكل والتز. واستمرت حركة الإعفاءات لمسؤولين كبار كمورغان أورتاغوس، وإيريك تراغر مدير الشرق الأوسط، وغيرهم.
وكان ترمب قد طلب من مستشاره ستيف ويتكوف إدارة مفاوضات لإنهاء المواجهات مع الحوثيين و"حماس" و"حزب الله" والنظام الإيراني في نفس الوقت تقريباً. وفي هكذا أجواء، تم التوافق على إجراء ثلاث زيارات لترمب إلى الرياض والدوحة وأبوظبي لإرساء جسور التعاون الأميركي الخليجي. وفاجأ ترمب العالم بأنه استقبل الرئيس السوري خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، وأغدق عليه بالمدح وقرر رفع العقوبات عن الدولة السورية. وكان قرار ترمب بتغيير سياسة واشنطن تجاه دمشق حاسماً وسريعاً، فوجه إدارته لإسقاط القرارات التنفيذية بحق سوريا والعمل على دعم الحكم وتجهيزه وتسليحه ليتحول إلى شريك لواشنطن تدريجاً.
بالطبع، فإن أصواتاً تتعالى، لا سيما في الكونغرس، للمطالبة بضمانات حول من سيحكم البلاد ومصير "المقاتلين الأجانب" الملقبين بـ"الجهاديين الدوليين". فتقدم السيناتور تيد كروز بمشروع قانون لوضع "الإخوان المسلمين" على لائحة العقوبات الأميركية، وإن حصل، فسيؤثر على الجماعات الإسلامية المقاتلة في العالم. ولكن هكذا مشروع قد يأخذ أكثر من عام ليتم مناقشته وإقراره، وعلى الرئيس أن يوقعه قبل اعتماده، وسيصعب استعماله ضد السلطة الجديدة في سوريا. أما البيت الأبيض، فيبدو مصمماً حتى الآن على أن يمضي بمشروع التطبيع مع الرئيس الشرع.
ومن أهم ما ترشح هو زيارة لدمشق من قبل وزير الدفاع الأميركي ووفد من "البنتاغون" للاطلاع على "حاجات الدولة السورية من السلاح"، مما يعني أن ترمب يضع العلاقات الجديدة مع الحكومة الجديدة فوق القلق السائد في واشنطن حول هوية السلطة العقائدية والتاريخية. أي، بكلام آخر، أن يكونوا على لائحة الإرهاب أم لا، فخيار البيت الأبيض هو تثبيت الاستثمار الخليجي، وخصوصاً في سوريا، بغض النظر عن هوية ونوايا المعارضة سابقاً والدولة حالياً.
إلا في موضوع واحد شددت عليه كل أجهزة الاستخبارات، وهو موقع الجماعات الأجنبية المقاتلة التي انضمت سابقاً إلى فصائل المعارضة قبل ذلك. فقد وضعت الولايات المتحدة شرطاً بإقصاء هذه المجموعات من مؤسسات الدولة السورية. إلا أن المفاوضات الأخيرة سمحت "للمقاتلين الأجانب" بأن يتم استيعابهم في وزارتي الدفاع والداخلية، ولكن ضمن شرط أخير وهو ألا يُسلَّموا مسؤوليات حساسة. فالجيش الأميركي قد يزود السلطة بمعلومات دقيقة تتعلق بتنظيم "داعش" وتنظيمات أخرى شبيهة بالجماعات الإسلامية القتالية في سوريا.
وهنا يختلط الحابل بالنابل، وسيُساءل الكونغرس الإدارة حول هذا الملف. والجدير بالذكر أن الحكومة الجديدة ستحصل على نتائج أفضل لأجندتها من نفس هذه القوى مقارنة بما حصلت عليه خلال مفاوضاتها مع إدارة أوباما. ولعل المصالح الاقتصادية باتت تطغى على مشاريع الأمن القومي في واشنطن.
أندبندنت عربية